الاثنين، 29 سبتمبر 2014

أغني امرأه في العالم

أغني امرأه في العالم ...
اتصلت سيدة عجوز ببنك الطعام تطلب حضور مندوب لاستلام خمسة بطاطين تبرعا منها لصالح ضحايا السيول وتركت عنوانها بالتفصيل.. ميدان ثم شارع ثم حارة ثم حارة أخرى ثم دكان بقال ثم بيت!.
وصل مندوب البنك بصعوبة بالغة إلى مكان إقامة السيدة العجوز، فوجدها عجوزا أكثر مما تصور، هزيلة أكثر من أى توقع، بسيطة أقل من كل فقر، تسكن غرفة صغيرة لاتدخلها الشمس تحت بئر سلم!.
الصورة ارشيفية
استقبلت موظف البنك باشتياق شخص يبحث عن ضوء فى عتمة، أصرت على أن تعد له واجب ضيافة كوب من الشاى وهى تقدمه قالت له:.. «الشاى يا ابنى من يد خالتك كرمة، بالهنا والشفا، والله كوبياتى نضيفة وزى الفل، ماتقرفش».
كان الموظف الشاب يشرب الشاى وهو يراقب عروق وجهها تنتفض وهى تحكى منفعلة وكان مندهشاً، تصرخ فى وجع:.. «.. ماتستغربش، أنا فقيرة آه.. بس فيه اللى أفقر منى، أنا معاشى من جوزى الله يرحمه 300 جنيه، جبت بمتين وخمسين منهم البطاطين ديه، وهتدبر لغاية آخر الشهر بالخمسين، ربنا بيبعت!».
غرفة لا تتسع أكثر من شخصين، سرير صغير يتحمل بصعوبة جسدها النحيل، لمبة فى السقف وتليفزيون بإيريال معلق على شباك المنور، تليفون موبايل قديم يبدو أنه نافذتها الوحيدة مع الحياة، وابتسامة دافئة كبيرة تكشف عن زمن بعيد لم تعرف فيه أبعد من هذه الغرفة ومن هذا المكان.
-..«لكن ياحاجة كرمة، يعنى ماتفهمنيش غلط واستحملينى، مش برضه أنت أولى بحق الخمس بطاطين، ظروفك يعنى.. »..
وتخبط يدها على طرف السرير فيهتز وتقول بعبارات لا زيف فيها ولاتراجع:.. «..يا ابنى اللى شفته فى التليفزيون يقطع القلب، ناس عريانة مرمية فى الشوارع من غير لا بيت ولا غطى، أنا فقيرة بس مش غلبانة.. هم غلابة ولو كانوا مش فقرة، أنا ربنا ساترنى فى أوضة باقفل بابها تدفينى وأنام.. هم ماعندهمش لا باب ولا أوضة، يا أبنى خد البطاطين وتوكل على الله الحق ابعتها لحد محتاج قبل ما الليل ييجى، توصل بالسلامة وشرفتنى يا ابنى..».
ذهب الموظف بأغلى خمس بطاطين إلى مقر بنك الطعام وحكى لهم ودموع كثيرة فى عينيه قصة الحاجة كرمة، كرمها وكبرياؤها ووجهها الصافى الصادق وكلماتها البريئة الحقيقية، حكى لهم عن علاقتها مع الله، هذه المرأة العجوز التى نساها الزمن لم يهملها الله برحمته فرزقها الحب والبساطة والشجاعة، هذه امرأة لاتخاف أحدا، لاتخاف الفقر ولا الجوع والبرد ولا المرض ولا الموت، تحب الله وتعيش فى أمانه وفى وعده الحق لها، حكى قصة امرأة نظنها أنها تعيش على هامش الحياة.. بينما هى الحياة نفسها.
قرر زملاؤه أن يفعلوا أى شىء لهذه المرأة، اقترحوا معاشا شهريا، معونة عاجلة، البحث عن شقة صغيرة لها، سرير أكبر، ثلاجة بها طعام، فسحة فى مكان جميل، لكن موظف البنك الذى ذهب لها قال لهم بثقة من عرفها عن قرب إنها سترفض كل شىء.
فى النهاية وصلوا إلى حيلة، اتصلوا بها على أنهم من شركة التليفونات التى تحمل أحد أرقامهم، أبلغوها أنها فازت بجائزة مالية كبيرة،
فقالت لهم دون أن تهتز من فرحة أو مفاجأة:.. «.. عارفين بتوع بنك الطعام، اتبرعو لهم بالفلوس كلها، قولوا لهم يجيبوا بيها بطاطين كتيرة لبتوع السيول، ماحدش بيموت من الجوع.. بس فيه ناس كتير بتموت من البرد»

الثلاثاء، 27 مايو 2014

الصاوي مبروك يكتب من خلف القضبان  يوم ماتت "أم عمر"


كان صباحاً عادياً جديداً في السجن ، خرجتْ ساعة " التريض " ككل يومٍ أبحث عن جريدة أقرأها أو زميلاً أتحدث معه ونحن نسير فى ساحة السجن . انتهيتُُ إلى إحدى الزنازين بها بعض الأصدقاء ، جلست أتصفح الجرائد التى يسمحوا لنا بها هنا فى السجن ، تلك التى يُطلِقون عليها " جرائد قومية ". وللعلم كل الجرائد أصبحت " قومية " فى كذبها المُهذّب أحيانا والفاجر غالبا والتى تملؤها صور وأخبار " مرشح الضرورة " فى حياد إعلامى واضح!قضبان

وبينما أنا أُطالع الجريدة فجأة .. وجدت صوت من خلفى عند باب الزنزانة يُنادى عليّ ..... إلتفت

وجدته " محمود " من زنزانة " الطلبة " ، كان وجهه مُمتقعاً ومُصفرّاً ، لا أدرى لماذا انقبض قلبي ، تركت جورنال " مرشح الضرورة " ، وذهبت ... خير يا محمود ؟

بدأت عيناه تمتلئ بالدموع , تحشرج صوته وانحبس .. إنقبض قلبي أكثر ، فسألته : فيه إيه يا محمود ‍ ما تنطق!

- فأجاب " أم عُمر " يا أستاذ صاوي ...... " أم عُمر " ماتت !

- طب إزاي ؟ وفين !

- عملت حادثة وهي رايحة الجلسة ، مرضيناش نقوله إمبارح و إحنا راجعين ، وقولناله النهاردة وهو مُنهار .... تعالى شوفه.

كانت المسافة من زنزانتى إلى زنزانة " الطلبة " كافية لأن تسترجع ذاكرتى " عمر " ، تعرفت عليه عندما حاولنا نحن شباب السجن القيام " بدورة لكرة القدم ". كان " عُمر " مُشاركاً فيها ، وبحُكم أن زنزانتى بجوار زنزانته كان يسألنى عن مواعيد المُباريات والنتائج.

وجههُ طفولى مُريح , إبتسامته صافية ولا تُفارق وجهه النحيل وهو الطالب بالفرقة الأولى بحقوق القاهرة ... تذكّرت حين أخبرنى أن أباه وعمّه مُعتقلان أيضاً فى سجن آخر ! قالها وهو يبتسم إبتسامة مُفتعّلة بمرارة .. أشفقت عليه كثيراً وسألته حينها عمن ورائهم بالخارج هو ووالده فأجاب بمرارة أشد " أمى" !

أحببته كثيرا ً , كان مُتماسكاً رغم صِغر سنّه وقوياً . تسائلت كثيراً لماذا لا تُثار قضية " عُمر " وزملاؤه " الطلبة " إعلامياً ؟ لماذا لا يتحدث عنهم أحد ! وقد ضاع منهم أكثر من إمتحان ومُستقبلهم مُهدّد ؟ فتذكرت أن " عُمر " إخوان ....... وإخواننا الثوار وغيرهم لا يعرفون أحداً مُعتقلاً غير " ثلاثة فقط " من أجلهم يتظاهرون ومن أجلهم يُناضلون!

وصلت إلى زنزانة " الطلبة " تلك الزنزانة التى أحبّها كثيراً , وأجلس مع أصحابها كثيرا ً .، أحببتها لأنها كانت تُمثل لي مصر الحلم .. مصر الثورة ..... مصر ميدان التحرير فى الـ 18 يوم الأولى للثورة!

" عُمر " الإخوانى بجوار " صلاح " عضو مصر القوية بجوار " بوشكاش " الإشتراكى وإلى جانبهم " وليد " الليبرالى ، أفكار واتجاهات مُختلفة لكن الكل اسمهم " طلبة " والزنزانة تُدعى " زنزانة الطلبة " ..... دائماً هتافاتهم بالليل واحدة ، دائماً يتحدثون عن حلم واحد ، تسمع منهم أغاني الشيخ إمام وتسمع منهم أيضاً الأناشيد والهتافات الثورية والكل يحفظ ، والكل يُردّد ... حالة فريدة من التوافق !

كنت أيضاً أتسائل لماذا يَفسد كل هذا عندما يعود كُلُ إلى " تنظيمه" !

لماذا تُفسِدُهم دائماً كلمات " الكِبار " فى كل تنظيم ؟

ولماذا دائماً يُحاول أولئك " الكبار " فرض مشاكلهم ورؤاهم عليهم ؟!

تسمّرت أمام الزنزانة ... نظرت إلى " عُمر " وقد دسّ رأسه بين يديه .. قابلنى " وليد " وأخبرني أني لن أستطيع التحدث معه الآن ... كان شباب السجن قد أعدّوا ساحة " التريض " كمُصلّى . فقلت " لوليد " سأذهب للساحة ونُصلّي الجنازة غائب و أقابله هناك لأُُعزّيه . في طريقي لساحة الصلاة هربت مني دمعة ... فكرت ... أمُ تموت وهى ذاهبة لإبنها المُعتقل إلى جلسته في المحكمة لتراه دقائق ... " أم عُمر " .... " أم عُمر " ؟!

نعم تذكّرتها ... رأيتها في إحدى الزيارات التي تزاملنا فيها أنا و " عُمر " . امرأة أربعينية العُمر دخلت إلى ساحة الزيارة احتضنت " عُمر " .... لا ، بل احتضنت كل جزء من أجزاء " عُمر " وكأنّها تطمئن على كل جزء من إبنها شاركت هى يوماً فى بناءه . كان يبدو عليها الإرهاق الشديد ، تذكّرت أن " عمر " قال لي أنها تذهب إلى والده المُعتقل فى سجنٍ آخر أولاً ثم تأتى إليه هنا .... يا لتلك المرأة المُجاهدة الصابرة ، يا لتحمّلِها وقوتها ... إبنها ، وزوجها ! تُرى كيف تشعر ؟ كيف تَعُدّ لهما الطعام ؟ من يُساعدها!

جالت بخاطرى كل تلك الأسئلة وهي واقفة مع " عُمر " في الزيارة وأنا أنظر إليهم من بعيد . رأيتها من بعيد ترمقنى بنظرة " أم " باسمة ... وترمق كذلك كل الشباب في قاعة الزيارة بنفس النظرة ... وكأنّها توزع علينا قليلاً من حنان " الأم " الذي نفتقده جميعنا هنا !وكأنّها احتضنتنا جميعاً , وربتت على أكتافنا قائلة اصبروا فرج الله قريب!

قرأت هذا كلّه فى نظرات عينيها ، تذكّرت " أم عُمر " إذاً .... ثُمّ .... تذكرّت أنها ماتت!

لا , بل قُتِلت ... نعم قتلوها ! قتلوها لأن ابنها وزوجها فكروا أن يعارضوا نِظاماً دموياً.

قتلوها لأنها حلِمت أن ترى إبنها، ولو لدقائق معدودة فى ساحة محكمة ! لم يسمحوا لها بهذا الحق ... عربةُ طائشة غفل عنها أمن نظام الإنقلاب الدموى لإنشغاله بالقبض على أمثال " عُمر " صدمتّها فماتت .. ماتت ومات معها حُلم أن ترى إبنها لدقائق!

قُتِلت " أم عُمر " ولم يراها " عُمر " ولا " أبو عُمر " للمرة الأخيرة قبل أن تودّع الحياة . ذلك لأن نِظاماً دموياً يرى أنهم خطر على أمنه ، واستقراره ! فلم يسمح لهم بحضور جنازتها ولا بدفنها!

قتلوا " أم عُمر " وقتلوا فينا أشياء كثيرة هنا معها .... كان مشهد صلاة جنازة الغائب عليها فى ساحة " التريض " مَهِيباً ...

أمّنّا َ " عُمر " , بكينا جميعاً ، بكينا بُكاء " العجز " ... وما أدراك ما بكاء " العجز"

حين لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تبكي .... يومها تحوّل السجن كلّه إلى سُرادق عزاء كبير مُسربلاً بالحزن والصمت الذي أنهاه " عُمر " بهتافه وخلفه زُملاؤه الطلبة هتافاً زاد بُكائنا .... وعجزنا!

عزّيت " عُمر " وتساءلت في طريقي إلى زنزانتي عمن نواجه ؟ من هؤلاء ؟ هل هم حقاً بشراً ... لهم قلوب وعقول البشر!

وحينما أغلق الشاويش الزنزانة كنت أُردّد : هل هذا وطنُ حقاً ؟ هل هذا وطن

الأربعاء، 19 فبراير 2014

هى دى الحياه

الْبَعْض .. لَهُم وَقْع خَاص فِي نُفُوْسِنَا..

نُحِب قُرْبُهُم .. وَنَكْرَه بَعْدِهِم.. !
ف يَارَب لَا تَحْرِمْنَا مِن تِلْك الْأَرْوَاح ..
وَإجْعَلْهَا مُحَلِّقَة دَوْمَا فِي سَمَاء قَرِّبْنَا

الجمعة، 2 أغسطس 2013

حين وقف شعر رأسى


منظر مهيب جعل بدنى يقشعر خوفا من غدر الزمان ورهبة مما رأيت واحتراما لما شعرت به ولمسته من عواطف جياشه وحب حقيقى

ترى ماذا تفعل حينما ترى الأم العجوز ذات الأربعين ربيعا وهى تحمل ابنها الشاب أيضا الذى لا يقل سنه عن العشرين ربيعا ألتنقله من المستشفى الأولى للثانيه تحمله كما لو كان طفلا بين يديه وتعانقه كما لو كان هناك من يترصد لها ليخطفه من بين يديها تمشى بين زحام السيارات  التى وقفت لتشاهد هول هذا الموقف وفوقا لأرصفه التى تمنت لو أن لها أجنحه فتطير بهذه الفاضله لتوصلها الى اى مكان شائت التواجد فيه هى وابنها الذى نهش مرض الروموتويد شبابه وجعله عاجز عن الحركه عاجز على أن يحمل هو أمه التى لا يقتلها فقط الزمن وانما تقتلها حسرتها على شباب وليدها  .

وهنا حدثنى عن كم السيارات وكم الراجلين الذين عرضو على هذه المثابره المساعده فرفضت أن يحمل أحد ابنها أو ان يساعدها أحد فى الوصول به الى المستشفى وحدثنى عن إنسانيتها التى فاقت كل حد وتصور حدثنى عن شعور الأمومه الذى تهاوى فى ها الزمان الأغبر

حدثنى عن سيدة مصرية أصيله لا يستطيع أى جاحد أن ينكرها

حدثنى عن امرأة يسع حنانها الكون والفضاء .

بقلم : خديجه يوسف

للاتصال بى

foxyform